كتب طوني جبران في “المركزية”:
بانتظار ان تثمر الضغوط الاميركية التي بلغت مرحلة متقدمة من خلال آخر الرسائل الاميركية التي وجهها مستشار الرئيس الاميركي الى لبنان اموس هوكشتاين الذي حذر فيها قبيل زيارته الى اسرائيل، غدا الاثنين، من اي حرب في المنطقة وتهديده بضرورة وقف العمليات العسكرية، ما زالت كل السيناريوهات توحي بأن العملية العسكرية الواسعة باتجاه لبنان ما زالت واردة في اي لحظة يتوفر فيها السبب الكافي لتتقدم الخيارات العسكرية على كل جالسياسية والديبلوماسية. وكل ذلك بات ممكنا بعد الفشل في ترتيب وقف للنار في قطاع غزة يمكن ان ينسحب على باقي الجبهات الملحقة بها في اعقاب العملية المحدودة في” يوم الاربعين” التي شنها “حزب الله” صباح 25 آب الماضي ردا على اغتيال القيادي العسكري فؤاد شكر آخر ايام تموز الماضي، وما قامت به اسرائيل من “عملية استباقية” قبلها بأقل من نصف ساعة.
على هذه الخلفيات، تجمع المراجع السياسية والديبلوماسية ومعها عدد من الخبراء العسكريين على القول الى “المركزية” بأن اي ضربة إسرائيلية متميزة في شكلها وتوقيتها ونتائجها باتت متوقعة ولم تعد مستبعدة. وهي قراءة اجمعت عليها هذه المراجع وتقاطعت النظرة اليها بالإستناد الى الانسداد في الأفق السياسي والحكومي المقفل امام الحكومة الإسرائيلية المتشددة التي تبحث عن انتصار ينزل قادتها وفي مقدمهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن الشجرة العالية التي اعتلاها مع المتشددين ليتمكن بعدها من تجنب المحاكمة التي ما زالت تنتظره ولا يلغيها سوى انتصار عسكري ينقله من باب المحكمة الى المركز القيادي الكبير ويعوض عن حجم الانتقادات اللاذعة غير المسبوقة التي تعرض لها وتلقاها على اكثر من مستوى داخلي وخارجي.
وأضافت هذه المراجع، أن وعند البحث في الاسباب التي ادت الى هذه الحرب الطويلة المدى التي تجاوزت كل التوقعات، فإنها لم تعد ردا على ما تلقته “حماس” من دعم على مستوى جبهات “الممانعة” ولا سيما منها حرب “الإلهاء والإسناد” التي اطلقها “حزب الله” والتي لم تقدم ولم تؤخر في خططها لتدمير غزة واحتلالها على الرغم من اعتراف الجميع بانها الاكثر ايلاما، دون اغفال ما تركته العمليات التي قام بها الحوثيون من اضرار بالغة جراء إقفال مجرى البحر الأحمر باتجاه الموانئ الاسرائيلية وصولا الى قصف تل ابيب بمسيرة عابرة خرقت كل الدفاعات الجوية. فلكل ما يجري أسباب داخلية تواجهها حكومة الحرب الاسرائيلية جراء المعارضة الداخلية التي امسكت باليد المؤلمة للحكومة، من بوابة الفشل في تعاطيها مع ازمة الاسرى الاسرائيليين وما قادت اليه العمليات النوعية للفلسطينيين من اهتزازات ما زالت تتفاعل على مستوى القيادات العسكرية العليا التي فضل بعضها الاستقالة والتخلي عن مواقعهم العليا في مسلسل بدأ قبل فترة بالقادة الميدانيين في المنطقة الوسطى وغلاف غزة ومستوطنات الشمال عدا عن جهاز الاستخبارات العسكرية قبل صدور النتائج النهائية للجنة التحقيق المكلفة البحث في ما سمته “اخفاقات” أحداث 7 تشرين الأول التي اقتربت من ذكراها السنوية الاولى.
وانطلاقا مما تقدم، كشفت مراجع ديبلوماسية واسعة الاطلاع أن المخاوف الاميركية في محلها وهو امر لا يرتبط بعدم قدرتها على لجم إسرائيل فالادارة الاميركية الديمقراطية تخوض سباقا قاسيا مع الجمهوريين الراغبين بالعودة الى البيت الابيض والمزايدات بدعم اسرائيل وحمايتها من “عدة المعركة” على الرغم من النظرة المختلفة ليهود الولايات المتحدة والسياسة التي يعتمدها نتنياهو في مواجهة الازمة الوجودية التي تعيشها اسرائيل بطريقة تقدمت فيها الحسابات الاخرى التي يفترض بالمرشحين الاميركيين احتساب الأصوات الرافضة للمجازر الاسرائيلية في غزة والضفة الغربية في ظل التظاهرات التي عمت الجامعات الاميركية والناخبين من اصول عربية واسلامية يلعبون دورا مهما في الولايات المتأرجحة بين الحزبين الكبيرين والتي يؤهل الحسم فيها أي من المرشحين الى تقصير الطريق الى البيت الابيض.
والى هذه المعطيات المتشعبة، لا تغفل المراجع الديبلوماهمية التحذيرات الاخرى التي تنبه من مخاطر توسع الحرب بعدما أضاف الروس على لسان وزير خارجيتهم سيرغي لافروف المزيد منها، الى جانب التحذيرات الاميركية شبه اليومية سواء على السنة وزيري الخارجية والدفاع ومسؤولي المخابرات والأمن القومي إلى ان نقل عن الموفد الرئاسي الشخصي للرئيس بايدن انه اموس هوكشتاين أبلغ رسالة مختصرة بلغة الأمر مفادها “امتنعوا عن التصعيد” قبل ايام قليلة على زيارته غدا إلى إسرائيل ليجتمع مع نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ومسؤولين آخرين.
وكل ذلك يجري على وقع ما اعلن عنه قبل ايام عن سحب وزارة الدفاع الأميركية حاملتي طائراتها من البحر المتوسط. وهو أمر يوحي بأن الردود الكبرى المتوقعة قد ارجئت او الغيت فلا رد ايراني ولا يمني يستأهل ان تكون حاملتي الصواريخ والطائرات الاستراتيجية في المنطقة.
على هذه الخلفيات – تختم المصادر المتعددة – لتشير بقلق متزايد عن مجموعة من الاسئلة المعقدة ومعها الأجوبة المفقودة، عما يمكن ان تحمله الايام المقبلة بعدما دخلت المنطقة مدار الانتخابات الاميركية والتي صحت معها كل التوقعات السابقة والتي قالت إحداها بأن نتنياهو سيمدد الحرب وصولا الى هذه المرحلة لاستنفاد القدرات الأميركية العسكرية والسياسية والديبلوماسية كاملة وكان له ما أراد حتى هذه اللحظة.