كتبت إيفا أبي حيدر في الجمهورية:
تتناقض مظاهر الحياة في لبنان بين منطقة واخرى، وتتفاوت الطبقات الاجتماعية بشكل لافت بحيث انّ القدرات الشرائية التي يتمتع بها جزء من اللبنانيين باتت تفرض مستوى معيشياً معيناً ليس بمقدور الجزء الاكبر من اللبنانيين تحمّله، فما اسباب هذا التفاوت؟ وعلى اي اساس فرزت الأزمة المالية شرائح المجتمع كما هي اليوم؟
المطاعم المفوّلة والاقبال على المسابح والحجوزات المكتملة في غالبية بيوت الضيافة والحفلات الفنية لا تعكس بالحقيقة اقتصادا منتعشا، فالواقع مُغاير تماما بل يعكس وضع شريحة من اللبنانيين لا يشكلون اكثر من ربع السكان في حين ان الغالبية الساحقة تئنّ من الرواتب الظالمة التي لا تحاكي متطلبات الحياة، ومن الارتفاع المتواصل في مؤشر اسعار السلع الاستهلاكية رغم تثبيت سعر صرف الدولار على 89500 ليرة. وقد أظهرت الارقام الاخيرة الصادرة عن ادارة الاحصاء المركزي ارتفاعا في التغيّر السنوي لمؤشر اسعار الاستهلاك ما بين شهري حزيران من العام 2023 وحزيران 2024 بنسبة 41.78%، طاوَلت خصوصا السلع والخدمات الاساسسية التي يحتاجها كل مواطن بشكل يومي بغض النظر عن قدرته الشرائية مثل اسعار المواد الغذائية التي زادت 29.58%، الالبسة والاحذية 26.74%، مؤشر التعليم 587.67%، الصحة 47.24%، الاتصالات 31%، كذلك سجل ارتفاع في مؤشر الاستجمام والتسلية بنسبة 38.06% ومطاعم وفنادق 23.77%.
تظهر هذه الارقام الارتفاع المتواصل لكلفة الحد الادنى للمعيشة في لبنان رغم اعتماد الدولرة في التسعير وفي دفع الرواتب، من دون معالجة خلل اساسي يتمثّل في عودة الرواتب الى ما كانت عليه في فترة ما قبل الأزمة. اليوم، وبعد 5 سنوات على الأزمة، ما الذي لا يزال يحول دون ذلك؟ وكيف يمكن تفسير هذه الهوة الكبيرة في المقدرات المادية بين شرائح المجتمع؟
في السياق، اعتبر الخبير الاحصائي محمد شمس الدين ان لبنان اليوم يعيش في تناقض صارخ ما بين الطبقة الميسورة والطبقة المعدومة. وأسِف عبر «الجمهورية» لأنّ حوالى ربع الشعب اللبناني ما عاد يقوى على تسديد ثمن احتياجاته اليومية من مأكل ومشرب لأنه فقد كل مقومات الحياة، وبينما يعيش الربع الثاني من اللبنانيين بالحد الادنى، يتمتع نحو 40% من اللبنانين بقدرة شرائية مقبولة نتيحة تلقّيهم تحويلات من الخارج او امتلاكهم للمال النقدي، ولهذه الشريحة القدرة على الاستمرار والتأقلم مع الاسعار مهما ارتفعت. وتالياً انّ نصف الشعب اللبناني اليوم بات خارج السوق او خارج الدورة الاقتصادية ولا يملك قدرة الحصول على ادنى مقومات الحياة، حتى يمكن القول ان الازمة ظلمت نصف اللبنانيين بينما استطاع النصف الثاني ان يكون خارجها، إمّا لأنه يملك المال او لأنه تمكّن من اخراج امواله من المصارف او لأنه تلقى تحويلات من الخارج، ما جعل قدرته الشرائية تتوافق ورفع الاسعار في الدولار.
وعن مدى التوافق ما بين اسعار السلع اليوم مقارنة بمعدل الرواتب، قال شمس الدين: ان الرواتب اليوم تتراوح ما بين 25 الى 50% مما كانت عليه قبل الأزمة بينما اسعار السلع عادت الى ما كانت عليه قبل الأزمة. فالسلعة التي كانت تُسعّر بدولار واحد قبل الأزمة مع راتب بقيمة 100 دولار عادت اليوم الى السعر نفسه الذي كانت عليه قبل الازمة اي دولار واحد إنما براتب 50 دولاراً. لذا، من يملك القدرة الشرائية جراء تحويلات يتلقاها او اموال يملكها لا يزال باستطاعته شراءها لأنه حافظ على قدرته الشرائية، بينما ما عاد في مقدور من يقبض نصف راتب الحصول عليها.
وعن اسباب عدم عودة الرواتب الى ما كانت عليه قبل رغم عودة الاسعار الى ما كانت عليه قبل الازمة، يقول شمس الدين: ان الدولة، التي هي أكبر رب عمل، لا تملك المال لدفع رواتب موظفيها كما قبل الازمة، اذ يبلغ عدد العاملين بالقطاع العام بين ادارات ومؤسسات عامة وبلديات وجيش وقوى امن نحو 260 الفاً، أما القطاع الخاص الذي تأقلم بشكل اسرع مع الازمة ودَوزَن ارباحه ورفع اسعاره لتعود الى ما كانت عليه قبل الازمة، لم يُعِد اجور الموظفين الى ما كانت عليه سابقاً لأن ليس هناك سلطة يمكنها ان تفرض عليه ذلك، فالدولة غير القادرة على رَفع الرواتب لا يمكنها ان تفرض ذلك على غيرها.
تابع: خلال اجتماعات لجنة المؤشر طالبنا برفع الحد الادنى للاجور الى 52 مليون ليرة، الا انّ الهيئات الاقتصادية رفضت ذلك وحَدّدته بـ18 مليون ليرة.
وأضاف: عشية الازمة كانت الـ450 دولاراً تكفي حاجة اسرة مكونة من 4 اشخاص، أما اليوم وفي ظل التضخم والغلاء العالمي ارتفعت حاجة الاسرة الى 580 دولارا، الا ان متوسط الاجور اليوم للأسرة هو 30 مليون ليرة بما يوازي 330 دولاراً.