Search
Close this search box.

أبو ظبي – جورج بكاسيني

في الإمارات العربية المتحدة قلق لا يقلّ عن ذاك الذي يحاصر ملايين اللبنانيين والفلسطينيين . خيبات تتعاقب على لعنات شعبين تقاسما المرّ وطعم الإحتلال ، حتى إذا جاء دور العدوان على لبنان حلّت “الإمارات معك يا لبنان ” ، تماماً كما حلّت مع فلسطين في الشهور التي سبقت .

من رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد الى أسفل الهرم ، مروراً بالمهندس والسائق والطبيب حسرة واحدة ، وعيون مسمّرة على الشاشات تواكب الوجع الممتدّ من قلب غزة الى قلب الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع . لذلك جاء الردّ سريعاً : “إسناد” صمود اللبنانيين ، وفي مقدمهم البيئة الحاضنة للمقاومة ، في وجه السياسة الإسرائيلية للتهجير والتجويع .

يتجنّب كثيرون الخوض في أسباب ما حصل وخلفياته ، لأن من المبكر إجراء تقييم سياسي علني ودقيق لما جرى ويجري على وقع هدير طائرات ال F 35 والصواريخ العابرة للحدود التي تغزو فضاء لبنان وفلسطين . وربما لهذا السبب ثمة نقاش في الإمارات ، كما في عواصم عربية عديدة ، هو أقرب الى الهمس منه الى العلن ، قبل وقف إطلاق النار وسيل الدماء . لكن المشهد أصبح واضحاً : إيران تزجّ البيئة الحاضنة للمقاومة في ” مواسم الهجرة الى الشمال” والجبل وبيروت ، والعرب يحضنون هذه البيئة ويُبعدون عنها شبح الإنهيار .

هكذا باختصار يُعاد ترسيم الحدود بين مشروعين : الأول حارِق للحجر والبشر ، والثاني إطفائي اعتاد على إخماد الحرائق الواحدة تلوَ الأخرى ، رغم تكرار المعادلة المعروفة : نُشعل الحريق ثم نحمّل العرب المسؤولية بعد إخماده .. مع فائض من التخوين .

إبان عدوان تموز ٢٠٠٦ قيل للعرب ” لو كنت أعلم” . في العام ٢٠٢٤ ماذا يمكن القول : كنت أعلم مثلاً ؟ أم العودة الى لازمة ” لو كنت” ، مع أن تكرار الخطأ – باعتراف صاحبه – يرفعه الى رتبة الخطيئة ؟

سؤال استباقي يشغل بال العرب من المحيط الى الخليج رغم عدم الرغبة في “البكاء على الأطلال” ، لكن هل من عبرة يمكن أن يخلص إليها المغامرون بشعب وقضية وأمة ؟

ربّ قائل أن في هذا السؤال قدرٌ من الشماتة أو رهان على كسر ” حزب الله ” أو الشيعة عموماً ، وهذا وهم يدركه جيداً معظم العرب ، طالما أن للحزب قدرات عصيّة على الكسر من جهة ، وطالما أن الهدف الأقصى لبنيامين نتنياهو ، من جهة مقابلة ، لا يتعدى حدود انسحاب “حزب الله” الى شمال الليطاني . لكن هل يمنع هذا الواقع اللبنانيين والعرب من طرح السؤال تلوَ السؤال عن مستقبل هذه الدوامة المفتوحة الى ما شاء الله ؟

أوليس الإنتقاد الصريح للدور الإيراني في ما يجري من جانب ركنين أساسيين في البيئة السياسية الحاضنة للمقاومة ، أي الرئيس نجيب ميقاتي والنائب السابق وليد جنبلاط ، خير برهان على أن ثمة ما تجاوز كل الحدود ، مع العلم أن الرجلين يتعاملان بقدر عالٍ من المسؤولية منذ اللحظات الأولى للعدوان ؟

إثنان تغيّرا في الإقليم بعد 7 أكتوبر : اسرائيل وإيران . الأولى التي كانت تتجنّب الحروب الطويلة ، تسعى الآن الى إطالة أمدها . والثانية الهاوية الدائمة لسياسة حافة الهاوية تلوذ الآن بما سمّته “التراجع التكتيكي”.

أما العرب الذين سبق أن منحوا لبنان ، بعد عدوان تموز ٢٠٠٦ ، ” فرصة أخيرة” ، يمنحونه اليوم الفرصة ما بعد الأخيرة رغم ضياع السابقة في خطأ الحسابات والتقدير ، فهل تضيع مرة جديدة ونصبح أمام حالٍ من المغامرة هي أقرب الى المقامرة تقود لبنان الى “التفكّك والموت” على حدّ تعبير جان إيف لودريان ، أي الى الصوملة ؟

أما السؤال الأهم : أليس الأجدى لأي ضحية من ضحايا البيئة الحاضنة للمقاومة أن تبني منزلين ، بدلاً من أن تُعيد بناء منزلها نفسه .. مرتين ؟

Share.

البث المباشر