كتب صادق علويّة في “الأخبار”:
بلغت البلاد مرحلة متقدمة من العجز النقدي والمالي على صعيد النفقات الحكومية، فاضطرت الحكومة تحت وطأة الفخ الذي نصبته لنفسها إلى ابتداع نظرية سلفات الخزينة التي تجاوز إنفاقها كل منطق مادي مقبول، ليس لعدم الحاجة الى الإنفاق إنما بسبب التلاعب الحكومي بأرقام الموازنة العامة. ففي وقت الذي تحاضر فيه الجهات الإدارية حول أصول الموازنة العامة، نرى الحكومة تعتمد أرقاماً غير دقيقة في موازنتها العامة. فتعمد، مثلاً، الى تسجيل نفقات أقل من تلك التي يقتضي أن تنفقها لتوهم اللبنانيين والجهات المانحة الدولية أنها سيطرت على العجز، في حين أن هذا الأمر غير صحيح، ووزارة العدل دليل في أرقام اعتماداتها على اللامبالاة الحكومية بمرفق العدالة
بحسب التصنيف الاقتصادي للموازنة العامة، فإن أهم النفقات التي لم تسجلها الحكومة في موازنة العام 2024 التي أقرها مجلس النواب بموجب القانون رقم 324/2024، كانت قيمة الرواتب والأجور والمنافع وملحقاتها التي تضم المخصصات والرواتب والأجور وملحقاتها ومعاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة، اضافة الى منافع اجتماعية أخرى، ولا سيما التحويلات الى مؤسسات عامة لتغطية نفقاتها العامة والرواتب. ومن جهة اخرى، لم تسجل الحكومة القيمة الحقيقية للنفقات المالية الجارية التي تضم المواد والخدمات الاستهلاكية والنفقات الطارئة والاستثنائية.
على سبيل المثال، ولجهة مخصصات ورواتب وأجور القطاع العام، فقد تضمنت موازنة 2024 الراتب الاساسي للموظف اضافة الى الراتبين المنصوص عليهما في المادة 111، وكذلك زيادة بدل النقل الى 450 الف ليرة. الا ان الموازنة لم تتضمن قيمة الرواتب الاربعة المنصوص عنها بموجب المرسوم 11227 / 2023 ولا حتى أساس الراتبين المنصوص عنهما في المرسوم 13020/2024، ولهذا اضطرت الحكومة في كل مرة أرادت أن تسدد هذه الرواتب، إما الى الاعتماد على السلفة المعطاه لوزارة المالية منذ عام 2023 لانفاقها عام 2024، أو الاعتماد على تحويلات من احتياطي الموازنة أو على اعتماد نظام سلف الخزينة التي لا يعلم موقعوها أنها دين برقبة اللبنانيين لو كانت في البلاد محاسبة حقيقية.
تجدر الإشارة إلى أن سلف الخزينة لعام 2024 سيتم تسديدها من اعتمادات الموازنة العامة لعام 2025، اي ان الحكومة انفقت الزيادات الواردة في مشروع موازنة 2025 سلفاً.
لوزارة العدل نصيبها المعتاد من الوضع الكارثي للموازنة. وقد سبق أن نشرت «القوس» مقالا بعنوان «الموازنة العامة: 0.32% لوزارة الـعدل» بيّنت فيه أن الحكومة لم تتكلف عناء رصد مبالغ كافية لرواتب القضاة والموظفين العاملين في مرفق العدالة. وبلغت قيمة ما رصدته الحكومة ووزارة المالية في مشروع موازنة العام 2025 حوالي 2465 مليار (27.5 مليون دولار)، أي ما نسبته 0.5% من مجمل نفقات الموازنة البالغة 427.6 ألف مليار ليرة (4.77 مليار دولار). أي أن اهتمام الحكومة بالعدالة تحسّن بنسبة 0.25%!
وبعد التدقيق في ارقام مشروع الموازنة وجداوله المرفقة، يتبين ان بند المخصصات والرواتب والاجور وملحقاته للموظفين الدائمين لم يتم زيادته عما كان في 2024. إذ كان محددا بـ 21 مليار ليرة وبقي على حاله. اما مخصصات السلطات العامة وملحقاتها والتي تعني وزير العدل فقد تمت زيادتها بـ 84 مليون ليرة. وفي مجلس شورى الدولة، انخفضت رواتب الموظفين الدائمين والمتعاقدين بنحو 7.2 مليار ليرة، وربما كان السبب تقاعد عدد من الموظفين. فيما النفقات المتنوعة في فصل محكمة التمييز التي تتضمن بنداً يسمى نفقات شتى ينفق منه لتسديد بدلات وحاجات طارئة فقد زادت من 200 مليون ليرة إلى 300 مليون، على ان تخصص 100 مليون منها للنيابة العامة لمحكمة التمييز.
بلغت النفقات المقدرة للمجلس الدستوري في قانون موازنة 2024 نحو 8.7 مليار للمخصصات والرواتب والاجور وملحقاتها، فاضطرت الحكومة الى منح المجلس الدستوري سلفة خزينة بموجب المرسوم 13160 تاريخ 5/4/2024 لتغطية المخصصات المالية الشهرية لرئيس وأعضاء المجلس الدستوري بقيمة 30 مليار ليرة
وزادت وزارة المالية هذه النفقات للعام 2025 للمجلس الدستوري إلى 38.7 مليار بزيادة 30 ملياراً لتسديد السلفة المعطاة للمجلس، مما يعني ان الأخير سيضطر للبحث عن سلفة جديدة لتغطية نفقاته، وأن الـ 30 ملياراً ستكون على سبيل الذكر، لانها لتسديد السلفة المعطاة سابقاًً، في حين انه ينبغي على وزاره المالية تقدير قيمة هذه النفقات بـ 68.7 مليار ليره على الأقل.
بلغ الفرق في النفقات المخصصة لمساهمة الدولة في صندوق تعاضد القضاة 610 مليارات ليرة زيادة عن قانون موازنة 2024. وحُددت النفقات المقدرة لاشتراكات ومساهمة الدولة في صندوق تعاضد القضاه بقيمة 910 مليارات في مقابل 300 مليار ليرة في 2024. وهذا الفارق ليس زيادة فعلية لزيادة تقديمات القضاة، وانما لتسديد سلفات الخزينة التي يبلغ مجموعها 610 مليارات لتغطية النفقات الصحية والاجتماعية للمنتسبين إلى الصندوق.
رصدت الحكومة عام 2024 أربع مليارات ليرة لقرطاسية المكاتب في الادارة المركزية و3 مليارات ليرة للصيانة العادية وتصليح اللوازم المكتبية والتجهيزات والانشاءات، اضافة الى 30 مليار ليرة مخصصة كعطاءات إلى المحاكم الروحية المسيحية. اما في المحاكم الإدارية والمدنية، فتم رصد 6 مليارات كقرطاسية للمكاتب و10 مليارات لتغطية الايجارات والخدمات المشتركة وخمسة مليارات للصيانة العادية وتصليح اللوازم المكتبية والتجهيزات. وقد كررت الحكومة الارقام نفسها في مشروع موازنة 2025 من دون أية زيادات، باستثناء 200 مليون اضافية لقرطاسية مجلس شورى الدولة لتصبح 500 مليون ليرة، كما تمت مضاعفة بند الصيانة المخصص لمحكمة التمييز من 300 مليون ليرة الى 600 مليون، أي إن ما عانى منه المواطنون والقضاة والموظفون في المحاكم عام 2024 سيعانون منه في 2025.