لم يكن نهائي دوري الأمم الأوروبية 2025 مجرّد مباراة تتويج، بل كان لحظة رمزية حملت في طياتها صداماً بين جيلين. على أرضية ملعب أليانز أرينا في ميونيخ، وقف كريستيانو رونالدو، أسطورة البرتغال البالغ من العمر 40 عاماً، في مواجهة لامين يامال، جوهرة إسبانيا الصاعدة والبالغ من العمر 17 عاماً. أحدهما اختتم الليلة برفع الكأس والدموع تملأ عينيه، والآخر غادر بصمت، حاملاً معه أوّل دروس الخسارة الكبرى.
بالنسبة إلى رونالدو، لم يكن هذا مجرّد لقب جديد يُضاف إلى خزائنه. لقد كان ردّاً صريحاً على كلّ من شكّك في قدرته على العطاء. في نصف النهائي، سجّل النجم البرتغالي هدف الفوز أمام ألمانيا، وفي النهائي، عاد وسجّل هدف التعادل الحاسم أمام إسبانيا، رافعاً رصيده إلى 138 هدفاً دولياً وهو رقم قياسي جديد يعزّز مكانته في التاريخ.
ويُعدّ تتويج رونالدو بلقب دوري الأمم للمرة الثانية، إلى جانب يورو 2016، محطة جديدة في مسيرة أسطورية امتدّت لأكثر من عقدين. وفي سنّ الأربعين، وبعد أن اعتقد كثيرون أنه خرج من دائرة المنافسة، أثبت رونالدو أنه لا يزال لاعباً مؤثراً في أعلى المستويات. وربما يُنظر إلى هذا التتويج، من قبل كثيرين، كلحظة حاسمة تُرسّخ مكانته كأعظم لاعب في تاريخ كرة القدم.
ولكن، على الطرف الآخر من هذا المشهد، كانت بداية قصة مختلفة. ودخل النجم الإسباني الصاعد يامال نهائي البطولة بعدما أذهل العالم بأدائه اللافت، وكان مرشّحاً محتملاً للكرة الذهبية في حال تتويج منتخب بلاده. لكن المواجهة أمام البرتغال شكّلت اختباراً حقيقياً، حيث نجح نونو مينديز في إغلاق مفاتيح لعبه بذكاء. ولقد خرج يامال من النهائي دون بصمة تُذكر، وربما تبخّرت معه أول فرصة حقيقية للتتويج الفردي في مسيرته. ومع ذلك، قد تكون هذه الخسارة بالذات هي الشرارة التي تصقل شخصيته الكروية، وتدفعه لفهم أن طريق العظماء لا يُعبّد بالمواهب فقط، ومع ذلك، ربما كانت هذه الخسارة هي ما يحتاجه فعلياً. فطريق العظمة لا يُعبّد بالموهبة وحدها، بل بالخيبات والتحدّيات.
تماماً كما واجه ليونيل ميسي انتقادات لسنوات مع منتخب بلاده، قبل أن يعود أقوى، ويتوّج بكل شيء. لم يستسلم، بل حوّل الانكسارات إلى دافع نحو المجد. وأمام يامال الآن مفترق طرق، فقد تكون هذه الخسارة تحديداً هي الشرارة التي تصقل موهبته وتدفعه نحو النضج والارتقاء. إنها تذكير قاسٍ بأن المجد لا يُمنح، بل يُنتزع بالعمل والتجربة والصبر. في ميونيخ، قال رونالدو كلمته بصوت عالٍ: «ما زلت هنا». أما يامال، فقد بدأ الفصل الأول من ملحمة طويلة… تبدأ بالدموع، وقد تنتهي بأن يُكتب اسمه بين الأعظم في التاريخ.