كتبت وفاء بيضون في “اللواء”:
بات واضحا من خلال المشهد الميداني على جبهة الإسناد في جنوب لبنان، وخاصة خلال الأيام الأخيرة الماضية، ان تحوّلا واضحا بدأ في مسار المواجهة من إسناد إلى حرب قد تتدحرج نحو التوسّع.
وبات واضحا ان العدو الإسرائيلي بدأ بمرحلة جديدة من الاعتداءات، خاصة الغارات المكثّفة والكبيرة، التي طالت أكثر من منقطة وبلدة، زعم العدو ان الهدف منها ضرب تحصينات ومنصات تعود لحزب الله. فما حصل في الأيام الأخيرة من تجاوز عدد الغارات في يوم واحد الأربعين غارة جوية، يوضح ان الجيش الإسرائيلي قد انتقل من مرحلة الرد والرد المتبادل الى مرحلة الهجوم الاستباقي، وإذا كان الرد المدروس، أو ما اصطلح على تسميته بـ«عملية الأربعين» التي قامت بها المقاومة انتقاما لقائدها الجهادي فؤاد شكر، مستهدفة مقر قيادة الاستخبارات وغرف التحكم في غاليلوت قرب تل أبيب، قد استتبع بهدوء نسبي الى حد ما؛ فإن لغة التصعيد عادت مجدّدا على خط الجبهة اللبنانية، أو جبهة الشمال، أكان على الصعيد الميداني، مع ارتفاع وتيرة القصف والعمليات العسكرية، أو على الصعيد السياسي، مع تصاعد لافت لمستوى التهديدات الإسرائيلية، التي عادت إلى مربعها الأول.
وما يدعم رأينا بإمعان العدو القيام بمراحل من شأنها استدراج المقاومة للمواجهة هو ما حصل من هجوم سيبراني نتج عنه مئات الجرحى وعدد من الشهداء سرعان ما ردّت المقاومة ببيان اتهمت الكيان الإسرائيلي عن هذا الهجوم الإجرامي ما يفتح الباب أمام حتمية الرد من حيث يحتسب العدو أو لا يحتسب حسب بيان حزب الله.
من هنا ترى المصادر المطّلعة، ان الوتيرة المألوفة من العمليات منذ فتحها في الثامن من تشرين الأول الماضي، ووفق قواعد اشتباك غير معلنة، والرد الإسرائيلي على أهداف يعتبرها عسكرية وأخرى تتعلق بالاغتيالات عبر الطيران المسيّر؛ إلّا ان خرقا واسعا لهذه القواعد، تمثل بشكل خاص مع مجزرة بلدة فرون، حيث استهدفت مسيّرة إسرائيلية مركبة للدفاع المدني اللبناني التابع لوزارة الداخلية بصورة مباشرة ومتعمّدة. ما أدّى الى استشهاد ثلاثة عناصر على الفور، ليأتي هذا التصعيد الميداني بالتوازي مع تصعيد عسكري طرح الكثير من علامات الاستفهام، متزامناً مع لهجة تهديد بالحرب ضد لبنان من جديد، وهو ما تجلّى في كلام رئيس الحكومة الإسرائيلية «بنيامين نتنياهو» الذي أعلن خلال اجتماع حكومته مؤخرا، أنه أصدر توجيهاته للجيش الإسرائيلي وجميع الأجهزة الأمنية للاستعداد لتغيير الوضع في الشمال، مشدّدا على أن حكومته العسكرية ملتزمة بإعادة جميع سكان الشمال إلى منازلهم بأمان حسب تعبيره.
وتتابع المصادر بالقول ان تهديد «نتنياهو» غير معزول، عما سبقه عليه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي «هيرتسي هليفي» خلال زيارة قام بها للحدود الشمالية، حين أعلن أن القوات الإسرائيلية تستعد لخطوات هجومية داخل الأراضي اللبنانية عموما، والجنوبية على وجه الخصوص، ليلتحق مع جوقة التهديد هذه، وزير الحرب الإسرائيلي «يوآف غالانت»، الذي قال خلال زيارة إلى المحور الفاصل بين شمال قطاع غزة وجنوبه، إن الجيش جاهز لكل السيناريوهات والخيارات، بما في ذلك الانتقال السريع من الحرب في غزة إلى التصعيد على جبهة لبنان مهما استدعى ذلك من جهود بشرية ولوجستية وحتى خسائر.
وتقول المصادر ان بين ثلاثي التهديد الإسرائيلي (نتنياهو – هليفي – غالانت)، ثمة كلاماً كثيراً قيل من قبل المسؤولين الإسرائيليين، الذين خرج منهم من يدعو لمواجهة الضغوط الأميركية والذهاب إلى الحرب ضدّ لبنان، باعتبار أن الأخيرة لم تعد خيارا، بل أصبحت ضرورة، وكلها تصريحات تصب في هدف واحد، وهو رغبة إسرائيلية مضمرة بتوسيع دائرة الحرب لما بعد الانتخابات الأميركية، بالتوازي مع عرقلة المفاوضات القائمة لوقف إطلاق النار، وخاصة من الجهة الإسرائيلية. هذا من جهة، فيما ترى مصادر مطّلعة من جهة ثانية، أنّ ثمّة أهدافاً سياسية للتصعيد الإسرائيلي قبيل الانتخابات الأميركية، سواء من حيث محاولة التأثير على النتيجة، أو من حيث تأثير النتيجة على الوضع الحالي، بالتزامن مع اعتقاد بقول ان «بنيامين نتنياهو» ما زال يراهن على فوز المرشح الجمهوري «دونالد ترامب»، الذي سيعطي إسرائيل ما لم يعطها إياه الرئيس الحالي «جو بايدن»، في حين أنّ فوز المرشحة الديمقراطية «كامالا هاريس» قد يعني استمرار المراوحة، تماماً كما هو الحال اليوم. دون استبعاد وجهتي النظر الأميركية القائمة على استمرار دعم كلا الطرفين، الجمهوري والديمقراطي، للكيان الإسرائيلي وتبنّي خياراته العسكرية سرّا وجهرا.
وبالتالي يبقى كل ذلك رهن، ما تسميه بعض المصادر، بالتهور الإسرائيلي الذي ترافق مع نصائح أميركية باستشراف نتائج المواجهة الواسعة، وانعكاسها تدميراً كبيراً وخسائر لا تحصى في الجانب الإسرائيلي، هذا عدا عن فشل الرهان على التغيير في الوضع شمال فلسطين المحتلة، وخاصة عودة عشرات آلاف المستوطنين الى المستعمرات الشمالية وتحقيق هدف إبعاد تهديد «حزب الله» عنهم.
فهل تغامر حكومة نتنياهو المنقسمة على نفسها، وتذهب الى خيارات غير مضمونة النتائج، أم اننا أمام مناورات تهديدية للتأثير على الرأي العام اللبناني من جهة، وذر الرماد في عيون الداخل الإسرائيلي من جهة ثانية، في ظل معادلات جديدة وقدرات متطورة للمقاومة لم تكن سابقا في حرب العام 2006؟!