Search
Close this search box.
وقت القراءة: 4 دقائق

جاء في “الراي الكويتية”:

لم تحجب «استفاقةُ» الأزمات الداخلية «الأخطبوطية»، المالية – الاجتماعية – السياسية التي عاودتْ شقَّ طريقها إلى واجهة المَشهد الداخلي في الأيام القليلة الماضية، المَخاطرَ العسكريةَ المتصاعدةَ التي تهبّ على لبنان من جبهة الجنوب التي باتت واقعياً بين مطرقةِ عملياتٍ اسرائيليةٍ مكثّفة على شكل «حزام ناري» متنقّل يركّز على أهداف لـ «حزب الله» وبين سندان «ترقيتها» من تل أبيب «مع وقف التنفيذ» حتى الساعة الى «مركز الثقل» التالي بعد حرب غزة، سواء خمدتْ نارُها أو بقيت تتأجج تحت رماد القطاع ودماء أهله.

وشكّلت مشهديةُ احتجاجاتِ العسكريين المتقاعدين أمام السرايا الحكومية أمس بهدف الضغط لتصحيح أجورهم «الآن وليس غداً» ومنْعهم عَقْدَ جلستيْن لمجلس الوزراء كانت الثانية مخصصة لمناقشة مشروع قانون موازنة 2025، إشارةً مُقْلِقةً إلى طبيعة الأرض «المتشقّقة» التي يقف عليها لبنان في الداخل منذ بدء انهياره المالي قبل نحو 5 أعوام، وإلى عدم قدرته على تَحَمُّل الوقوع «بين ناريْن»: استعارُ الأزمات المعيشية مجدداً وإمكان انزلاقها الى صِدامات، وحربُ الجنوب المرشّحة حتى إشعار آخَر للتمدّد وربما استجرارِ مواجهاتٍ أوسع تتعزّز احتمالاتُها بحال انهارتْ مفاوضات هدنة غزة ويُخشى أن تصبح «هادفةً» لو نجحتْ، بمعنى أن يكون التصعيد حينها ممراً إلزامياً لتهدئةٍ «قيصرية».

وفي حين عبّرتْ «الدرايةُ» التي تَعاطى بها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمس مع احتجاجات العسكريين التي حالت دون وصول العدد الكافي من الوزراء الى السرايا الحكومية عن استشعارٍ بدقة الوضع وعدم حاجة لبنان إلى «إضرامِ النار» بنفسه عبر عناوين داخلية، هو الذي كشفتْ قناة «ام تي في» أنه رَفَضَ وقوع دم أو فتْح مداخل السرايا بالقوة وذلك في اتصالٍ بينه وبين قائد الجيش العماد جوزف عون الذي عبّر عن خشيته من أن يَسقط دم فسأل ميقاتي «هل تغطي ذلك سياسياً؟»، جاء استمرارُ ارتقاءِ جبهة الجنوب بقرارٍ اسرائيلي واضحٍ ليعكس حجمَ ما يتهدّد البلاد من دون أن تملك الحكومةُ – التي سلّمتْ بـ «قيادة» حزب الله للحرب والسلم – بإزائه إلا تارة الدعوة إلى «الصلاة» أو طوراً دعوة العرب إلى عدم «ترْك لبنان وحيداً».

بوحبيب والدعم العربي

فمن على منبر الجامعة العربية وخلال اجتماع الدورة الـ (162) لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري، أطلّ وزير الخارجيّة عبدالله بوحبيب، عارِضاً ما «يتعرّض له لبنان منذ أحداث 7 تشرين الاول الفائت من تدمير مُمنهج لبشره وحجره وحرق بساتينه وأشجاره المُثمرة بالفوسفور الأبيض» في سعي من اسرائيل «لإنشاء شريط حدودي من الدمار غير القابل للحياة لعشرات السنين المقبلة»، قبل أن يقرر «خلع القفازات الدبلوماسيّة» ويخاطب نظراءه «من القلب إلى القلب»، سائلاً: «ألا يستحق هذا الوطن الصغير بجغرافيّته، الكبير بعروبته وانتمائه، وإنتشاره حول العالم الذي حمل ما لم يحمله أحد من عبء وأوزار القضية الفلسطينيّة وتبعاتها، بعض الدعم في هذه المرحلة الدقيقة؟ وأنتم كنتم له طوال حقبات وتحديات خلت السند، والشقيق، والملاذ الآمن».

وأضاف:«نحن اليوم بأمسّ الحاجة أقلّهُ إلى وجودكم المعنوي إلى جانبنا عندما نُقصَف، وتُدمَّر أحياؤنا، وقُرانا، وسُهولنا، وتُقتَل بناتُنا وأبناؤنا. فندائي لكم اليوم بأن تبقوا إلى جانِبنا، كي يبقى لبنان وطن العرب، كلّ العرب، بدل تركِه وحيداً. فنحن نتألّم بصمت، ونحتاج إلى دعم عربي نفتقدهُ، وغطاء ومظلّة عربيّة، في هذه اللحظات الصعبة. فالفراغ العربي في لبنان مُدمّر لحيثيّة وطن الأرز، وتوازناته، ووجوده».

نقل مركز الثقل

وأتى موقف بوحبيب في الوقت الذي ازدادتْ مؤشراتُ دخول جبهة الجنوب منعطفاً جديداً، حيث نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن وزير الدفاع يوآف غالانت أنه سيتم «نقْل مركز ثقلنا إلى الجبهة الشمالية مع لبنان مع اقتراب إكمال المهام العسكرية في غزة (…) ولدينا مهمة في الشمال لم تُنفذ بعد وهي تغيير الوضع الأمني وإعادة السكان إلى منازلهم»، وذلك بعدما كان اعتبر «أنّ اتفاقَ هدنةٍ مع»حماس«يَسمح بالإفراج عن الأسرى في غزة سيمثّل فرصةً استراتيجية لإسرائيل لتغيير الوضع الأمنيّ على الجبهات كلها».

وفيما تَرافَقَ كلام غانتس مع إعلان وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن «أن وقف نارٍ في غزة سيجعل الاتفاقَ على حدود لبنان أكثر قابلية»، فإن «النسختين» الأميركية والاسرائيلية في قراءة أي اتفاقِ هدنةٍ وما بعده قد يبدوان متعاكسيْن ولكنهما في رأي دوائر متابعة يعمّقان المخاوف من أن تل أبيب تعدّ لشكلٍ من التصعيد مع «حزب الله» – يمهّد له النَسَق الجديد من الاستهدافاتِ بالغارات العنيفة لِما تقول إنه مواقع ومنصات صواريخ لـ «حزب الله» – إما يُلاقي التداعي «الرسمي» لمفاوضات غزة وربما يكون فاتحةَ الطريق لحلّ تريده بشروطها على الجبهتين، وإما يَعقب أي اختراقٍ مازال شبه مستحيلٍ في ضوء حرص اسرائيل على تقديم فصولٍ مروّعة أكثر من جرائم «الدم البارد» على غرار مذبحة المواصي في خان يونس.

وفي السياق، أوردت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، عن مسؤول أميركي رفيع المستوى، انه «إذا ذهبت إسرائيل للحرب في لبنان فلن تكون هناك منازل لتعود إليها».

ولم يكن عابراً في سياق استشراف الآتي كما مرتكزات إصرار «حزب الله» على عدم الفصل بين جبهتيْ الجنوب وغزة، ما أعلنه رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد وفُسِّر على أنه تسليم بعدم القدرة على تبديل موازين القوى على «الأرض المحروقة» في غزة وتركيزٍ على منْع ترجمة ذلك في «الأهداف السياسية» لاسرائيل، وهو ما يتلاقى مع قراءةٍ لخصومٍ للحزب يعتبرون أن «سرّ» التمسك بالمشاغَلة في الجنوب يكمن في أمرين يتكاملان:

– الاول حاجة إيران إلى أن تكون شريكاً في «اليوم التالي» في غزة.

– والثاني أن حضورها الوازن «على الطاولة» لإدارة غزة بعد الحرب لا يكون بورقة باتت «محترقة» – بمعنى القوة والوزن – وهي «حماس» بل بذراعٍ فاعلةٍ و«مفعّلة» هي حزب الله الذي يحاول الموازنة بين مقتضيات المواجهة بحسابات «محور الممانعة» وبين عدم زجّ البلاد في أتون حرب كبرى لا تريدها طهران البراغماتية بطبيعة الحال ما دامت ستضع الحزب في «فم البركان».

رعد

فالنائب رعد أوضح أنه «عندما اتخذنا قراراً بفتْح جبهة إسناد في لبنان دعماً لغزة وأهلها، فإننا قمنا بتدبير استباقي لحماية لبنان من الاعتداء الصهيوني عليه وعلى سيادته وشعبه وأهله»، مشيراً إلى أن«العدو يريد إنهاء المقاومة في غزة وفرض سيطرته عليها، مقدمة لاجتياح الضفة والانتهاء من القدس والمقدسات والأراضي المحتلة عام 1948، وليتوسع في استيطانه (…)»، مضيفاً: «العدو وصل إلى مرحلة أنه استطاع أن يتوغّل في غزة ويدمّرها، ولكنه لا يستطيع أن ينجز الأهداف التي خرج من أجلها، وأن يثبت وجوده، ولا أن يقيم البديل الذي يريده فيها، لأن أي بديل يحتاج إلى المقاومة التي تتصدى له في غزة، وهنا انفقوا أمام توغله، وبات يدور حول نفسه دائخاً وتائهاً».

ورداً على التهديد «بالتوسّع في الشمال أي باتجاه لبنان وجنوبه»، قال رعد «إن العدو أعجز من أن يشن حرباً ويفتعل معركة مع المقاومة، لأن ضياعه والغموض المستقبلي أمام كيانه، سيتضاعف».

Share.

البث المباشر